اعتمد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في الخامس عشر من شهر يولية 2013 القانون 2013 - 015 المتعلق بالاتصالات الألكترونية.
وكانت الحكومة الموريتانية قد أرست، على مدى السنوات المنصرمة، أسس تنظيم فعال للسوق الوطني للاتصالات الألكترونية، عبر جملة من النصوص أبرزها القانون 99 - 019 الصادر بتاريخ 11 يولية 1990 والمنظم لقطاع الاتصالات والذي بموجبه تم إنشاء سلطة التنظيم القطاعية، قبل أن يتم توسيع اختصاصاتها بموجب القانون 2001 - 18 الصادر بتاريخ 25 يناير 2001 لِتَطال قطاعات أخرى.
وقد شهدت أولى مراحل المسار التنظيمي فصل قطاع الاتصالات عن قطاع البريد، ثم خوصصة المشغل العمومي للاتصالات وفتح مجال الهاتف النقال أمام المنافسة الحرة. وقد أفضت المرحلة الثانية من المسار التنظيمي إلى استقطاب مشغل جديد هو (شنقيتل). وقد كان من شأن الرخصة الشاملة التي حصل عليها المشغل الجديد أن تضع حدا لهيمنة (موريتل) على سوق المعطيات، من جهة وللاحتكار الثنائي لسوق الهاتف النقال من طرف (ماتال) و(موريتل موبيل)، من جهة أخرى.
وتبرز، في الوقت الراهن، تحديات جديدة ترتبط بالمشاريع المستقبلية، لاسيما تجديد رخص المشغلين والربط بالكابل البحري، إذ سيشكل هذان الحدثان فرصة ثمينة للارتقاء بالخدمات المقدمة للمستهلكين من أفراد ومؤسسات والنفاذ إلى خدمات المعطيات عالية التدفق بأفضل مستوى وأقل تكلفة ممكنة.
وبعد مرور عشر سنوات على انقضاء المرحلة التنظيمية الأولى وأربع سنوات على انقضاء المرحلة الثانية، باشرت سلطة التنظيم إجراء دراسة ترمي إلى تحديد الشروط الفُضْلَى للارتقاء بقطاع الاتصالات في موريتانيا والاستفادة المُثْلَى من الانعكاسات الإيجابية لتطوره على البلد وساكنيه.
وقد أرادت سلطة التنظيم لهذه الدراسة أن تكون شديدة الدقة والضبط والموضوعية، واستعانت - لهذا الغرض- بخبراء دوليين معترف لهم بالكفاءة. وقد جرت الدراسة على امتداد الفترة من إبريل إلى ديسمبر 2012، بإشراف لجنة توجيه فنية معينة من قبل سلطة التنظيم وتضم في عضويتها كافة الفاعلين المعنيين (الإدارة، المشغلون، جمعيات المستهلكين) وبرعاية اللجنة الوزارية المنشأة لهذا الغرض والمكلفة بتعديل مقترحات الدراسة عند الحاجة، ومن ثَمَّ إقرارها.
وفي كل مرحلة من المراحل المفصلية الثلاث للدراسة كانت اللجنة الوزارية تدعى للاجتماع، حيث التأمت ثلاث مرات أيام 10 إبريل و 5 سبتمبر و 5 ديسمبر 2012،بحضور أعضاء لجنة التوجيه الفنية. وقد شهد آخر اجتماع للجنة الوزارية، انعقد بمقر سلطة التنظيم، إقرار توجهات سياسة قطاع الاتصالات للفترة المقبلة.
وقد سبقت هذه التوجهات وأسهمت في بلورتها عملية تقييم الإصلاح الذي تم إدخاله على القطاع عام 1999 وتمحيص حصيلة هذا الإصلاح، وهما موضوعا الاجتماعين اللذَيْن سبقا اجتماع إقرار التوجهات التي قام، على أساسها، إعلان السياسة القطاعية الصادر عن مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 31 يناير 2013.
وتتوخى هذه التوجهات جملة من الأهداف الأساسية، أهمها :
1 - استدامة وتعزيز التنافس والاستثمار والابتكار، بمعنى توفير أفضل الظروف لبعث حركية تنافسية جديدة في القطاع وترقية الاستثمار وتشجيع الابتكار في مجال الاتصالات، ومن ذلك :
أ - تعزيز النفاذ إلى منشآت الاتصالات وتقنين تقاسمها؛
ب - السيطرة على الاستخدام المفْرط لتفاوت أسعار الخدمات داخل الشبكة الواحدة (on net) وبين الشبكات المختلفة (off net)، وكذا العروض الترويجية؛
2 - تعزيز حماية المستهلكين وحفظ حقوق المستخدمين؛
3 - تأمين الاستفادة المُثْلى من الانعكاسات الإيجابية للقطاع على الاقتصاد والنمو في موريتانيا، بما في ذلك :
أ - إحداث أكبر انعكاس إيجابي ممكن للقطاع على اقتصاد البلد ونموه؛
ب - تشجيع بروز خدمات جديدة باعتماد النظم الملائمة؛
ج - توضيح الشروط المطلوبة لتجديد رخص 2ج (2G) السارية والنظر في إمكانية منح رخص 4ج (4G) جديدة، مع - أو بدون - الانفتاح على مشغل جديد؛
د - تحويل موريتانيا إلى منصة إقليمية للربط البيني؛
هـ - تسهيل التقدير الاستباقي للعائدات الضريبية للقطاع
و - تشجيع نمو الخدمات المصرفية عبر الشبكات (m-banking)؛
4 - تحسين أداء مهام التنظيم، ويقتضي ذلك :
أ - رفع درجة دقة تحليل معطيات سوق الاتصالات بهدف اعتماد تنظيم غير نمطي، يقدِّر كل حالة بقدرها؛
ب - الاستغلال الأمثل للمواد الشحيحة أو المحدودة؛
ج - تبسيط وتوضيح طرق تنفيذ إجراءات النفاذ الشامل لخدمات الاتصالات واستغلالها الاستغلال الأمثل؛
د - تطبيق عقوبات رادعة تناسب حجم المخالفات المرتَكبة؛
هـ - ضمان تحميل المشغلين حقوق استخدام المجالين العمومي والخصوصي.
ويسعى القانون الذي بين أيدينا إلى تحقيق الأهداف الرئيسية المتوخاة من إعلان السياسة القطاعية عبر توفير إطار ملائم وفعال، من شأنه تحفيز منافسة شريفة وصحية، تعود بالنفع على كل الفاعلين في القطاع وتراعي مصالح المستخدمين وتَرْفِدُ تنمية البلد.
وفي هذا الإطار، يتنزل هذا القانون الذي يلغي القانون 99 - 019 ويأتي بالمستجدات والتعديلات التالية :
أ - استبدال مفهوم الاتصالات الألكترونية بمفهوم الاتصالات الشاملة (السلكية واللاسلكية) الأكثر ملاءمة لظرفية تداعي وتقاطع الشبكات والخدمات؛
ب - التأكيد على منع حصرية واحتكار الحقوق المتعلقة بتوفير خدمات الشبكات والاتصالات الألكترونية؛
ج - تبسيط متطلبات النفاذ إلى السوق تشجيعا للتنافس، باعتماد جملة من الإجراءات، منهاعلى وجه الخصوص :
* إعطاء الأفضلية لنظام الرخصة الشاملة لاستقطاب مشغلين جدد للشبكات وخدمات الاتصالات الألكترونية، باستثناء الرخص الخصوصية المقتصرة على حالات استخدام الطيف الراديوكهربائي؛
* مطابقة نظام خدمات الاتصالات الألكترونية مع نظام شبكات الاتصالات الألكترونية، بما في ذلك الخدمات المقدمة عن طريق الأنترنت؛
* توحيد حقوق والتزامات مزودي خدمات الاتصالات الألكترونية - كلما كان ذلك ممكنا - مع حقوق والتزامات مشغلي شبكات الاتصالات الألكترونية؛
لذا ينبغي التعويل على الأنظمة الثلاثة التالية :
أولا : الرخص الفردية المتعلقة ب :
أ - إنشاء واستغلال شبكات خدمات الاتصالات الألكترونية المفتوحة أمام الجمهور والتي تستخدم ترددات راديوكهربائية؛
ب - إنشاء واستغلال شبكات تربط المستخدمين - لاسيما الشبكات المستقلة - بالخدمات عبر الأقمار الاصطناعية على امتداد التراب الوطني.
ثانيا : الرخص العامة - بشرط التصريح - المتعلقة ب :
أ - إنشاء واستغلال شبكات خدمات الاتصالات الألكترونية المفتوحة أمام الجمهور والتي لا تستخدم ترددات راديوكهربائية، وينضاف إلى ذلك - استثناء مما تقدم - إقامة حلقة لاسلكية محلية (BLR) تقتصر على تقديم خدمات الاتصال الثابت أو النقال أو هما معًا؛
ب - توفير خدمات الاتصالات الألكترونية للجمهور؛
ج - إنشاء واستغلال شبكات مستقلة تستخدم المجال العمومي، بما في ذلك المجال اللاسلكي.
ثالثا : نظام مفتوح يَقبَل كافة الشبكات وخدمات الاتصالات الالكترونية التي لا تدخل تحت بندي نظام الرخص الفردية ونظام التصريح، ومن ذلك :
أ - فيما يتعلق بالربط البيني، فقد تمت إضافة وتأكيد التزامات النفاذ، بما في ذلك تقاسم المنشآت والاتصال بين الشبكات، حيثما ظهرت الحاجة إلى ذلك لغرض حفز التنافس أو لمتطلبات الاستصلاح الترابي؛
ب - أخذ المنشآت البديلة بعين الاعتبار؛
ج - إدخال آلية جديدة لتحليل معطيات السوق ومتابعة الالتزامات الخاصة للمشغلين الأقوياء؛
د - تعزيز منظومة فض النزاعات ومراجعة الإجراءات المتعلقة بالعقوبات، بحيث يكون تطبيقها متدرجا ومتناسبا مع حجم المخالفة المرتكبة ورادعا في نفس الوقت، بما في ذلك إمكانية استعمال الرأفة ضمن المسطرة الإجرائية لتحسين الرقابة على التصرفات المخلة بالتنافس؛
هـ - تحسين الرقابة على حقوق استخدام المجال العمومي من قِبل المشغلين؛
و - وضع مسطرة إجراءات لحماية الحياة الخصوصية للمستخدمين والمعطيات ذات الطابع الشخصي وتوفير المعلومات لجمهور المستهلكين؛
ز - إقرار إطار استثنائي مؤمَّن للاعتراض القانوني للاتصالات وحفظ المعطيات ذات الطابع الشخصي لغرض المتابعة القضائية أو حماية الأمن العمومي؛
ح - تحديد إجراءات العنونة.
وأخيرا فإن القانون يُعزّز صلاحيات سلطة التنظيم ويُوسع مداها، لاسيما في الجانب المتعلق بالرقابة على التصرفات المخلة بالتنافس في سوق الجملة والتجزئة للاتصالات الالكترونية.